منتدى نور و نجاح
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى نور و نجاح

منتدى ديني وتعليمي ومفيد وناصح بالهدى.
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول


بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» نجار الكويت
محاسبة النفس ضرورة مُلِحّة Icon_minitimeالسبت ديسمبر 02, 2023 3:26 am من طرف mahmoud220022

» فتح اقفال الكويت
محاسبة النفس ضرورة مُلِحّة Icon_minitimeالسبت ديسمبر 02, 2023 3:26 am من طرف mahmoud220022

» غسيل مكيفات
محاسبة النفس ضرورة مُلِحّة Icon_minitimeالسبت ديسمبر 02, 2023 3:25 am من طرف mahmoud220022

» غسيل تانكي
محاسبة النفس ضرورة مُلِحّة Icon_minitimeالسبت ديسمبر 02, 2023 3:25 am من طرف mahmoud220022

» صباغ الكويت
محاسبة النفس ضرورة مُلِحّة Icon_minitimeالسبت ديسمبر 02, 2023 3:24 am من طرف mahmoud220022

» شركه تركيب ورق الجدران
محاسبة النفس ضرورة مُلِحّة Icon_minitimeالسبت ديسمبر 02, 2023 3:24 am من طرف mahmoud220022

» تصليح مكيفات
محاسبة النفس ضرورة مُلِحّة Icon_minitimeالسبت ديسمبر 02, 2023 3:24 am من طرف mahmoud220022

» تصليح خزانات الكويت
محاسبة النفس ضرورة مُلِحّة Icon_minitimeالسبت ديسمبر 02, 2023 3:22 am من طرف mahmoud220022

» تركيب ورق جدران الكويت
محاسبة النفس ضرورة مُلِحّة Icon_minitimeالسبت ديسمبر 02, 2023 3:22 am من طرف mahmoud220022

عدد زوار

.: عدد زوار المنتدى :.

راديو القران الكريم


 

 محاسبة النفس ضرورة مُلِحّة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
tazawad




عدد المساهمات : 52
تاريخ التسجيل : 18/03/2010

محاسبة النفس ضرورة مُلِحّة Empty
مُساهمةموضوع: محاسبة النفس ضرورة مُلِحّة   محاسبة النفس ضرورة مُلِحّة Icon_minitimeالثلاثاء مارس 30, 2010 10:15 am

عبد الله محمد العسكر

النفس بطبيعتها كثيرة التقلّب والتلوّن ، تؤثر فيها المؤثّرات ، وتعصف بها الأهواء والأدواء ، فتجنح لها وتنقاد إليها ، وهي في الأصل تسير بالعبد إلى الشرّ

كما قال تعالى : ] إنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي [ [يوسف : 53] ، ولذا ؛ فإن لها خطراً عظيماً على المرء إذا لم يستوقفها عند حدّها ويلجمها بلجام التقوى

والخوف من الله ، ويأطرها على الحق أطراً . قال لقمان الحكيم لابنه : (يا بنيّ :

إن الإيمان قائد ، والعمل سائق ، والنفسَ حرون ؛ فإن فتر سائقها ضلّت عن

الطريق ، وإن فتر قائدها حرنت ، فإذا اجتمعا استقامت . إنّ النفس إذا أُطمعت

طمعت ، وإذا فوّضْت إليها أساءت ، وإذا حملتها على أمر الله صلحت ، وإذا تركت

الأمر إليها فسدت ؛ فاحذر نفسك ، واتهمها على دينك ، وأنزلها منزلة من لا حاجة

له فيها ، ولا بُدّ له منها . وإنّ الحكيم يذلّ نفسه بالمكاره حتى تعترف بالحق ، وإنّ

الأحمق يخيّر نفسه في الأخلاق : فما أحبّت منها أحبّ وما كرهت منها كره) [1] .

ومن هنا كان لزاماً على كل عبدٍ يرجو لقاء ربّه أن يطيل محاسبته لنفسه ،

وأن يجلس معها جلسات طِوالاً ؛ فينظر في كل صفحة من عمره مضت : ماذا أودع

فيها ، ويعزم على استدراك ما فات ويشحذ همّته لسفره الطويل إلى الله تبارك

وتعالى .

أولاً : معنى المحاسبة :

قال الماوردي في معنى المحاسبة : (أن يتصفّح الإنسان في ليله ما صدر من

أفعال نهاره ، فإن كان محموداً أمضاه وأتبعه بما شاكله وضاهاه ، وإن كان مذموماً

استدركه إن أمكن وانتهى عن مثله في المستقبل) [2] . وقال ابن القيم رحمه الله :

(هي التمييز بين ما له وما عليه (يقصد العبد) فيستصحب ما له ويؤدي ما عليه ؛

لأنه مسافرٌ سَفَرَ من لا يعود) [3] .

وأما الحارث المحاسبي فقد عرّفها بقوله : (هي التثبّت في جميع الأحوال قبل

الفعل والترك من العقد بالضمير ، أو الفعل بالجارحة ؛ حتى يتبيّن له ما يفعل وما

يترك ، فإن تبيّن له ما كره الله عز وجل جانبه بعقد ضمير قلبه ، وكفّ جوارحه

عمّا كرهه الله عز وجل ومَنَع نفسه من الإمساك عن ترك الفرض ، وسارع إلى

أدائه) [4] .

ثانياً : أهمية محاسبة النفس :

لمحاسبة النفس فوائد متعدّدة نذكر منها ما يلي :

1 - الاطلاع على عيوب النفس ونقائصها ومثالبها ، ومن ثمّ ؛ إعطاؤها

مكانتها الحقيقية إن جنحت إلى الكبر والتغطرس . ولا شك أن معرفة العبد لقدر

نفسه يورثه تذلّلاً لله فلا يُدِلّ بعمله مهما عظم ، ولا يحتقر ذنبه مهما صغر . قال

أبو الدرداء : (لا يفقه الرجل كلّ الفقه حتى يمقت الناس في جنب الله ، ثم يرجع إلى نفسه فيكون أشدّ لها مقتاً) [5] .

2 - أن يتعرّف على حق الله تعالى عليه وعظيم فضله ومنّه ؛ وذلك عندما

يقارن نعمة الله عليه وتفريطه في جنب الله ، فيكون ذلك رادعاً له عن فعل كل

مشين وقبيح ؛ وعند ذلك يعلم أن النجاة لا تحصل إلا بعفو الله ومغفرته ورحمته ،

ويتيقّن أنه من حقّه سبحانه أن يطاع فلا يعصى ، وأن يُذكر فلا يُنسى ، وأن يُشكر

فلا يُكفر .

3 - تزكية النفس وتطهيرها وإصلاحها وإلزامها أمْر الله تعالى . قال تعالى :

] قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا [ [الشمس : 9 ، 10] ، وقال مالك

بن دينار : (رحم الله عبداً قال لنفسه : ألستِ صاحبة كذا ؟ ألستِ صاحبة كذا ؟ ثم

ذمّها ، ثم خطمها ، ثم ألزمها كتاب الله عز وجل فكان لها قائداً) [6] .

4 - (أنها تربّي عند الإنسان الضمير داخل النفس ، وتنمّي في الذات الشعور

بالمسؤولية ووزن الأعمال والتصرّفات بميزان دقيق هو ميزان الشرع) [7] . حكى

الغزالي في (الإحياء) أنّ أبا بكر رضي الله عنه قال لعائشة رضي الله عنها عند

الموت : (ما أحدٌ من الناس أحبّ إليّ من عمر) ثم قال لها : (كيف قلتُ ؟ ) فأعادت

عليه ما قال ، فقال : (ما أحدٌ أعزّ عليّ من عمر) ! ! يقول الغزالي : (فانظر كيف

نظر بعد الفراغ من الكلمة فتدبّرها وأبدلها بكلمة غيرها) [8] .

ثالثاً : فضل المحاسبة والآثار الواردة في ذلك :

قال الله تعالى : ] يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ

وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [ [الحشر : 18] ، قال صاحب الظّلال : (وهو

تعبير كذلك ذو ظلال وإيحاءات أوسع من ألفاظه ، ومجرّد خطوره على القلب يفتح

أمامه صفحة أعماله بل صفحة حياته ، ويمدّ ببصره في سطورها كلّها يتأمّلها ،

وينظر رصيد حسابه بمفرداته وتفصيلاته لينظر ماذا قدّم لغده في هذه الصفحة .

وهذا التأمّل كفيل بأن يوقظه إلى مواضع ضعف ومواضع نقص ومواضع تقصير

مهما يكنْ قد أسلف من خير وبذل من جهد ؛ فكيف إذا كان رصيده من الخير قليلاً

ورصيده من البرّ ضئيلاً ؟ ! إنها لمسةٌ لا ينام بعدها القلب أبداً ، ولا يكفّ عن

النظر والتقليب) [9] .

وقال تعالى : ] وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ [ [القيامة : 2] يقول الفرّاء : (ليس

من نفسٍ برّةٍ ولا فاجرة إلا وهي تلوم نفسها إن كانت عملت خيراً قالت : هلاّ

ازددتِ ، وإن عملت شرّاً قالت : (ليتني لم أفعل) [10] ، وقال الحسن في تفسير

هذه الآية : (لا يُلقى المؤمن إلا يعاتب نفسه : ماذا أردتُ بكلمتي ؟ ماذا أردتُ

بأكلتي ؟ ماذا أردت بشربتي ؟ والفاجر يمضي قُدُماً لا يعاتب نفسه) [11] .

ويقول الله عزّ وجلّ في وصف المؤمنين الذين يحاسبون أنفسهم عند الزلّة

والتقصير ويرجعون عمّا كانوا عليه : ] إنَّ الَذِينَ اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ

تَذَكَّرُوا فَإذَا هُم مُّبْصِرُونَ [ . [الأعراف : 201] .

قال الفاروق عمر رضي الله عنه : (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوها

قبل أن توزنوا ، وتزيّنوا للعرض الأكبر ] يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ [

[ الحاقة : 18]) [12] .

ويصف الحسن البصري المؤمن بقوله : (المؤمن قوّام على نفسه يحاسبها لله ،

وإنّما خفّ الحساب على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا ، وإنّما شق الحساب يوم

القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة) [13] . ويقول ميمون بن مهران : (إنه لا يكون العبد من المتقين حتى يحاسب نفسه أشدّ من محاسبة شريكه) [14] .

ويحذّر ابن القيم رحمه الله من إهمال محاسبة النفس فيقول : (أضرّ ما على

المكلّف الإهمال وترك المحاسبة ، والاسترسال ، وتسهيل الأمور وتمشيتُها ؛ فإن

هذا يؤول به إلى الهلاك ، وهذا حال أهل الغرور : يغمض عينيه عن العواقب ،

ويمشّي الحال ، ويتكل على العفو ، فيهمل محاسبة نفسه والنظر في العاقبة ، وإذا

فعل ذلك سهل عليه مواقعة الذنوب وأنسَ بها وعسر عليه فطامها) [15] .

ولنستمع إلى هذه الكلمات الجميلة لأبي حامد الغزالي في (الإحياء) وهو يصف

أرباب القلوب المنيبة وذوي البصائر الحيّة فيقول : (فَعَرف أربابُ البصائر من

جملة العباد أنّ الله تعالى لهم بالمرصاد ، وأنهم سيناقشون في الحساب ويُطالبون

بمثاقيل الذرّ من الخطرات واللحظات ، وتحقّقوا أنه لا ينجيهم من هذه الأخطاء إلا

لزوم المحاسبة وصدقُ المراقبة ومطالبةُ النّفْس في الأنفاس والحركات ، ومحاسبتُها

في الخطرات واللحظات . فمن حاسب نفسه قبل أن يحاسب خفّ في القيامة حسابُه ، وحَضَرَ عند السؤال جوابُه ، وحسُن منقلبُه ومآبُه . ومن لم يحاسب نفسَه دامت

حسراتُه ، وطالت في عرصات القيامة وقفاتُه ، وقادته إلى الخزي والمقت

سيئاتُه) [16] .

وقال الحسن رحمه الله : (اقرعوا هذه الأنفس ؛ فإنها طُلَعَة [17] ، وإنها

تنازع إلى شرّ غاية ، وإنكم إن تقاربوها لم تبقِ لكم من أعمالكم شيئاً ، فتصبّروا

وتشدّدوا ؛ فإنّما هي أيّام تُعدّ ، وإنما أنتم ركبٌ وقوف يوشك أن يُدعى أحدكم فلا

يجيب ولا يلتفت فانقلبوا بصالح ما بحضرتكم) [18] .

رابعاً : كيفية المحاسبة :

في الحقيقة ليس هناك وسيلة محدّدة ذات خطوات وأساليب منضبطة في كيفية

محاسبة النفس ؛ وذلك لأن النفوس البشرية متباينة الطبائع والسجايا ؛ لكنّ هناك

أُطُراً عامة وخطوطاً عريضة يمكن الإشارة إليها والاستفادة منها في هذا الموضوع .

والأمر الذي يجب أن يفقهه كل مسلم ومسلمة أنه لا بد من الجدّية في المحاسبة

والحرص الشديد على أخذ النتائج والقرارات التي يُتوصّل إليها بعد ذلك بمأخذ

العزيمة والجدّ . قال الغزالي : (اعلم أن العبد كما (ينبغي أن) يكون له وقت في أوّل

النهار يشارط فيه نفسه على سبيل التوصية بالحق ، فينبغي أن يكون له في آخر

النهار ساعة يطالب فيها النفس ويحاسبها على جميع حركاتها وسكناتها ، كما يفعل

التجار في الدنيا مع الشركاء في آخر كلّ سنة أو شهر أو يوم حرصاً منهم على

الدنيا ، وخوفاً من أن يفوتهم منها ما لو فاتهم لكانت الخيرة لهم في فواته ... فكيف

لا يحاسب العاقل نفسه فيما يتعلق به خطر الشقاوة والسعادة أبد الآباد ؟ ! ما هذه

المساهلة إلا عن الغفلة والخذلان وقلة التوفيق نعوذ بالله من ذلك) [19] ، ثم بيّن

رحمه الله أن المحاسبة تكون على نوعين :

النوع الأول : محاسبة قبل العمل ، وهي : أن يقف عند أوّل همّه وإرادته ،

ولا يبادر بالعمل حتى يتبيّن له رجحانه على تركه . قال الدكتور عمر الأشقر :

(ينظر في همّه وقصده ؛ فالمرء إذا نفى الخطرات قبل أن تتمكّن من القلب سهل

عليه دفعُها ... فالخطرة النفسيّة والهمّ القلبي قد يقويان حتى يصبحا وساوس ،

والوسوسة تصير إرادة ، والإرادة الجازمة لا بد أن تكون فعلاً . قال الحسن : كان

أحدهم إذا أراد أن يتصدّق بصدقة تثبّت ؛ فإن كانت لله أمضاها ، وإن كانت لغيره

توقّف) [20] . وشرح بعضهم قول الحسن فقال : (إذا تحرّكت النفس لعملٍ من

الأعمال وهمّ به العبد وقف أولاً ونظر : هل ذلك العمل مقدور عليه أو غير مقدور

عليه ؟ فإن لم يكن مقدوراً عليه لم يقدم عليه ، وإن كان مقدوراً عليه وقف وقفة

أخرى ونظر : هل فِعلُه خير له من تركه ، أم تركُه خير له من فعلِه ؟ فإن كان

الخير في تَرْكه تَرَكَه ، وإن كان الأوّل وقف وقفة ثالثة ونظر : هل الباعث عليه

إرادة وجه الله عز وجل وثوابُه أو إرادة الجاه والثناء والمال من المخلوق ؟ فإن كان

الثاني لم يقدم عليه وإن أفضى به إلى مطلوبه ؛ لئلا تعتاد النفسُ الشركَ ويخفّ

عليها العمل لغير الله ؛ فبقدر ما يخفّ عليها ذلك يثقل عليها العمل لله تعالى حتى

يصير أثقل شيء عليها ، وإن كان الأوّل وقف وقفة أخرى ونظر : هل هو مُعَانٌ

عليه وله أعوان يساعدونه وينصرونه إذا كان العمل محتاجاً إلى ذلك أم لا ؟ فإن لم

يكن له أعوان أمسك عنه ، كما أمسك النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عن الجهاد بمكة

حتى صار له شوكة وأنصار ، وإن وجده معاناً عليه فليُقدم عليه فإنه منصورٌ بإذن

الله ) [21] .

النوع الثاني : المحاسبة بعد العمل وهي على أقسام ثلاثة :

محاسبتُها على التقصير في الطاعات في حق الله تعالى وذلك يكون بأن يديم

سؤاله نفسه : هل أديتُ هذه الفريضة على الوجه الأكمل مخلصاً فيها لله ووفق ما

جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ؟ فإن كان مقصّراً وأيّنا يسلم من ذلك ؟

فليسدّ الخلل بالنوافل فإنها تُرقّع النقص في الفريضة وتربي لدى العبد جانب العبادة ، وبالمجاهدة وكثرة اللّوم يخفّ التقصير في الطاعات إلى درجة كبيرة .

ب - محاسبتها على معصية ارتكبتها : قال ابن القيم في ذلك : (وبداية

المحاسبة أن تقايس بين نعمته - عز وجل - وجنايتك ؛ فحينئذٍ يظهر لك التفاوت ،

وتعلم أنه ليس إلا عفوه ورحمتُه أو الهلاكُ والعطب . وبهذه المقايسة تعلم أنّ الرّب

ربّ والعبدَ عبد ، ويتبيّن لك حقيقةُ النفس وصفاتُها وعظمةُ جلال الربوبّية وتفرّدُ

الربّ بالكمال والإفضال ، وأنّ كل نعمة منه فضل وكلّ نقمة منه عدل ... فإذا

قايست ظهر لك أنها منبع كلّ شرّ وأساس كلّ نقص وأنّ حدّها : [انها] الجاهلةُ

الظالمةُ ، وأنّه لولا فضل الله ورحمتُه بتزكيته لها ما زكت أبداً . ولولا إرشاده

وتوفيقه لما كان لها وصولٌ إلى خير البتة ؛ فهناك تقول حقاً : أبوء بنعمتك عليّ

وأبوء بذنبي) [22] .

وبعد أن يحاسب نفسه هذه المحاسبة ويجلس معها هذه الجلسة المطوّلة فإنه

ينتقل إلى الثمرة والنتيجة ألا وهي العمل على تكفير تلك المعصية ، فيتدارك نفسه

بالتوبة النصوح وبالاستغفار والحسنات الماحيةِ والمذهبة للسيئات . قال سبحانه :

]إنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [ [هود : 114] . فالبدارَ البدارَ

قبل أن يُختم لك بخاتمة سوء وأنت مُصِرّ على تلك المعصية ولم تتبْ منها . وتذكّر

الحشرَ والنّشر وهوْلَ جهنّم وما أعدّه الله للعصاة والفسقة من الأغلال والحديد

والزقوم والصديد في نارٍ قال كعبُ الأحبار عنها رضي الله عنه : (لو أنّه فُتح من

جهنّم قدرُ منخرِ ثور بالمشرق ورجلٌ بالمغرب لغلى دماغُه حتى يسيل من

حرّها) [23] أجارنا الله والمسلمين منها .

فبذلك السبيل وأشباهه من المحاسبة يكون المرء صادقاً في محاسبته نفسه على

ارتكاب المعصية والذنب ومن منّا يسلم من معاقرة الذنوب والخطايا ؟ ! نسأل الله

اللطف والتخفيف .

ج - محاسبتها على أمرٍ كان تركه خيراً من فعله ، أو على أمرٍ مباح ، ما

سبب فعلِه له ؟ فيُوجّه لنفسه أسئلة متكرّرة : لِمَ فعلتُ هذا الأمر ؟ أليس الخير في

تركه ؟ وما الفائدة التي جنيتها منه ؟ هل هذا العمل يزيد من حسناتي ؟ ونحو ذلك

من الأسئلة التي على هذه الشاكلة .

وأمّا المباح فينظر : هل أردت به وجه الله والدار الآخرة فيكون ذلك ربحاً لي ؟ أو فعلتُه عادةً وتقليداً بلا نيّةٍ صالحة ولا قصدٍ في المثوبة ؛ فيكون فعلي له

مضيعة للوقت على حساب ما هو أنفع وأنجح ؟ ثم ينظر لنفسه بعد عمله لذلك

المباح ، فيلاحظ أثره على الطاعات الأخرى من تقليلها أو إضعاف روحها ، أو كان

له أثرٌ في قسوة القلب وزيادة الغفلة ؛ فكلّ هذه الأسئلة غايةٌ في الأهمية حتى يسير

العبد في طريقه إلى الله على بصيرة ونور .

أورد أبو نعيم بسنده عن الحسن قوله : (إنّ المؤمن يفجؤه الشيء ويعجبُه

فيقول : واللهِ إنّي لأشتهيك ، وإنّك لمن حاجتي ؛ ولكن واللهِ ما من صلةٍ إليك ،

هيهات ! ! حيل بيني وبينك . ويفرط منه الشيء (يقع في الخطأ) فيرجع إلى نفسه

فيقول : ما أردتُ إلى هذا ، وما لي ولهذا ؟ ما أردتُ إلى هذا ، وما لي ولهذا ؟ واللهِ

ما لي عذرٌ بها ، وواللهِ لا أعود لهذا أبداً إن شاء الله .

إن المؤمنين قومٌ أوثقهم القرآن وحال بينهم وبين هلكتهم ، إن المؤمن أسير في

الدنيا يسعى في فكاك رقبته ، لا يأمن شيئاً حتى يلقى الله عز وجل يعلم أنه مأخوذ

عليه في سمعه وفي بصره وفي لسانه وفي جوارحه ، مأخوذ عليه في ذلك

كلّه) [24] .

وبالجملة ؛ فلا بُدّ للمسلم من دوام محاسبة النفس ، ومعاتبتها وتذكيرها كلّما

وقعت منها زلّة أو جنحت إلى حطام الدنيا الفاني .

ولننظر إلى أنموذج آخر في كيفية معاتبة النفس أورده أبو حامد الغزالي رحمه

الله حيث يقول : (وسبيلك أن تقبل عليها فتقول لها : يا نفس ما أعظم جهلك ،

تدّعين الحكمة والذكاء والفطنة وأنت أشدّ الناس غباوة وحمقاً ! ! أما تتدبرين قوله

تعالى : ] اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ*مَا يَاًتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم

مُّحْدَثٍ إلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ *لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ... [ [الأنبياء : 1 3] ويحك

يانفس !إن كانت جرأتك على معصية الله لاعتقادك أن الله لا يراكِ فما أعظم كفرك !

وإن كان مع علم باطلاعه عليكِ فما أشدّ وقاحتك وأقلّ حياءك ! ويحك يا نفس ! !

لو كان الإيمان باللسان فلِمَ كان المنافقون في الدرك الأسفل من النار ؟ ! ! ويحك

يانفس ! لا ينبغي أن تغرّكِ الحياة الدنيا ، ولا يغرّكِ بالله الغرور..فما أمرك بمهمّ

لغيرك ، ولا تضيّعي أوقاتك ؛ فالأنفاس معدودة ، فإذا مضى عنكِ نَفَسٌ فقد مضى

بعضُك . ويحك يا نفس ! أوَ ما تنظرين إلى الذين مضوا كيف بنوا وعلوا ، ثم

ذهبوا وخلوا ؟ اعملي يا نفس بقيّة عمرك في أيام قصار لأيّام طوال ، وفي دار

حزن ونصب لدار نعيم وخلود) [25] .

خامساً : نماذج من محاسبة السلف لأنفسهم :

إنّ البحث والاستقصاء عن كلّ ما ورد من نماذج رائعة وصور مشرقة

لمحاسبة السلف الصالح لأنفسهم يتطلّب مجهوداً جبّاراً ووقتاً طويلاً ؛ لأن أولئك

القوم ارتبطت قلوبهم بالله ؛ فكانوا أجساداً في الأرض وقلوباً في السماء ، وما إن

يحصل من أحدهم تقصير أو زلّة إلا ويسارع في معالجة خطئه ، ومعاقبة نفسه على

ذلك ؛ حتى لا تكاد تأمره إلا بخير . ولعلّنا نقتصر هنا على بعض النقولات العجْلى

عن أولئك النفر الكرام لعلّها تحرّك القلوب ، وتشحذ النفوس وتربّي المسلم تربية

جادة قويّة .

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : سمعتُ عمر بن الخطاب رضي الله

عنه يوماً وخرجت معه حتى دخل حائطاً فسمعتُه يقول وبيني وبينه جدار : عمر ! !

أمير المؤمنين ! ! بخٍ بخٍ ، واللهِ بُنَيّ الخطاب لتتقينّ الله أو ليعذبنّك) [26] .

وجاء رجل يشكو إلى عمر وهو مشغول فقال له : أَتَتْركون الخليفة حين يكون

فارغاً حتى إذا شُغِل بأمر المسلمين أتيتموه ؟ وضربه بالدرّة ، فانصرف الرجل

حزيناً ، فتذكّر عمر أنه ظلمه ، فدعا به وأعطاه الدرّة ، وقال له : (اضربني كما

ضربتُك) فأبى الرجل وقال : تركت حقي لله ولك . فقال عمر : إما أن تتركه لله

فقط ، وإما أن تأخذ حقّك) فقال الرجل : تركته لله . فانصرف عمر إلى منزله

فصلّى ركعتين ثم جلس يقول لنفسه : (يا ابن الخطاب : كنتَ وضيعاً فرفعك الله ،

وضالاً فهداك الله ، وضعيفاً فأعزّك الله ، وجعلك خليفةً فأتى رجلٌ يستعين بك على

دفع الظلم فظلمتَه ؟ ! ! ما تقول لربّك غداً إذا أتيتَه ؟ وظلّ يحاسب نفسَه حتى أشفق

الناس عليه) [27] .

وقال إبراهيم التيمي : (مثّلتُ نفسي في الجنة آكل من ثمارها وأشرب من

أنهارها وأعانق أبكارها ، ثم مثّلتُ نفسي في النار آكل من زقومها وأشرب من

صديدها وأعالج سلاسلها وأغلالها ، فقلت لنفسي : يا نفس أيّ شيء تريدين ؟ فقالت : أريد أن أُردّ إلى الدنيا فأعمل صالحاً ! قلتُ : فأنتِ في الأمنية فاعملي) [28] .

وحكى صاحب للأحنف بن قيس قال : كنتُ أصحبُه فكان عامةُ صلاته بالليل ، وكان يجيء إلى المصباح فيضع إصبعه فيه حتى يحسّ بالنّار ثم يقول لنفسه :

يا حنيف ! ما حملك على ما صنعت يوم كذا ؟ ما حملك على ما صنعتَ يومَ

كذا ؟ ) [29] .

ونُقِل عن توبة بن الصّمة : (أنه جلس يوماً ليحاسب نفسَه فعدّ عمره فإذا هو

ابن ستين سنة ، فحسب أيّامها فإذا هي واحدٌ وعشرون ألفاً وخمسمائة يوم ؛ فصرخ

وقال : يا ويلتى ! ألقى الملك بواحدٍ وعشرين ألف ذنب ! فكيف وفي كل يوم عشرة

آلاف ذنب ؟ ! ! ثم خرّ فإذا هو ميّت ! ! فسمعوا قائلاً يقول : يا لكِ ركضةٌ إلى

الفردوس الأعلى) [30] . يقول الغزالي معلّقاً على هذه القصّة : (فهكذا ينبغي أن

يحاسب (العبد) نفسه على الأنفاس ، وعلى معصيته بالقلب والجوارح في كلّ ساعة

. ولو رمى العبد بكلّ معصية حجراً في داره لامتلأت دارُه في مدة يسيرة قريبة من

عمره ، ولكنه يتساهل في حفظ المعاصي ؛ والملكان يحفظان عليه ذلك ] أَحْصَاهُ

اللَّهُ وَنَسُوهُ ... [ [المجادلة : 6] [31] .

ويُحكى أن حسان بن أبي سنان مرّ بغرفة فقال : متى بنيت هذه ؟

ثم أقبل على نفسه ، فقال : تسألين عمّا لا يَعْنيكِ ؟ ! لأعاقبنّك بصيام سنة ،

فصامها) [32] [33] .

وقال عبد الله بن قيس : كنّا في غزاةٍ لنا فحضر العدو ، فَصِيحَ في الناس

فقاموا إلى المصافّ في يومٍ شديد الريح ، وإذا رجلٌ أمامي وهو يخاطب نفسَه

ويقول : أيْ نفسي ! ألم أشهد مشهد كذا فقلتِ لي : أهلَكَ وعيالك ؟ ! ! فأطعتُك

ورجعت ! ألم أشهد مشهد كذا فقلتِ لي : أهلَكَ وعيالك ؟ ! ! فأطعتُكِ ورجعت !

واللهِ لأعرضنّكِ اليوم على الله أخَذَكِ أو تَركَكِ . فقلت : لأرمقنّكَ اليوم ، فرمقته

فحمل الناسُ على عدوّهم فكان في أوائلهم ، ثم إنّ العدو حمل على الناس فانكشفوا

(أي هربوا) فكان في موضعه ، حتى انكشفوا مرات وهو ثابت يقاتِل ؛ فواللهِ ما زال

ذلك به حتى رأيتُه صريعاً ، فعددتُ به وبدابته ستين أو أكثر من ستين طعنة) [34] .

وأخيراً :

نختم بفائدة مهمّة فيما يعين على المحاسبة ذكرها الإمام ابن القيم رحمه الله في

(مدارج السالكين) ؛ فقد ذكر أن ممّا يعين على المحاسبة : أن يكون المرء صادقاً في

محاسبته لنفسه . وتعتمد المحاسبة الصادقة على ثلاثة أسس : الاستنارة بنور الحكمة ؛ وسوء الظنّ بالنفس ، وتمييز النعمة من الفتنة .

فأمّا نور الحكمة ؛ فهو العلم الذي يميّز به العبد بين الحقّ والباطل ، وكلّما كان

حظّه من هذا النور أقوى كان حظّه من المحاسبة أكمل وأتمّ .

وأما سوء الظن بالنفس ؛ فحتّى لا يمنع ذلك من البحث والتنقيب عن المساوئ

والعيوب .

وأما تمييز النّعمة من الفتنة ؛ فلأنه كم مُسْتَدْرَج بالنّعم وهو لا يشعر ، مفتونٍ

بثناء الجهّال عليه ، مغرورٍ بقضاء الله حوائجه وستره عليه ! [35] .

حكى الذهبي عن المرّوذي قال : قلت لأبي عبد الله (يعني الإمام أحمد) : قدم

رجلٌ من طرسوس فقال : كنّا في بلاد الروم في الغزو إذا هدأ الليل رفعوا أصواتهم

بالدعاء لأبي عبد الله ، وكنّا نمدّ المنجنيق ونرمي عن أبي عبد الله . وقد رُمي عنه

بحجرٍ والعلج على الحصن مُتَتَرّسٌ بدَرَقَته [36] فذهب برأسه والدّرقة ! ! قال :

فتغيّر وجه أبي عبد الله وقال : ليته لا يكون استدراجاً) [37].

وصلى الله وسلّم على محمدٍ وآله وصحبه وسلّم .

________________________

(1) ذم الهوى لابن الجوزي (40) .

(2) أدب الدنيا والدين (342) [نقلاً عن موسوعة نضرة النعيم ، 8/ 3317] .

(3) مدارج السالكين ، 1/187 .

(4) التربية الذاتية من الكتاب والسنة لهاشم علي أحمد (97) .

(5) الزهد للإمام أحمد (196) .

(6) إغاثة اللهفان لابن القيم (79) .

(7) التربية الذاتية (98) .

(Cool إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي ، 4/587 .

(9) في ظلال القرآن ، لسيد قطب ، 6/3531 .

(10) تفسير البغوي ، 4/421 ، والزهد للإمام أحمد (396) .

(11) تفسير البغوي ، 4/421 ، والزهد للإمام أحمد (396) .

(12) الزهد للإمام أحمد (177) ، ومدارج السالكين 1/187 .

(13) حلية الأولياء لأبي نعيم ، 2/157 .

(14) الزهد لوكيع بن الجرّاح تحقيق الفريوائي (501) .

(15) إغاثة اللهفان ، (82) .

(16) الإحياء ، 4/118 .

(17) قال في القاموس في مادة (طلع) : نفس طُلَعة : تكثر التطلّع إلى الشيء .

(18) حلية الأولياء 2/144 ، ذم الهوى لابن الجوزي (41) .

(19) الإحياء ، 4/588 .

(20) مقاصد المكلفين فيما يتعبّد به لربّ العالمين ، للدكتور عمر الأشقر (429) (بتصرّف) .

(21) إغاثة اللهفان (81) .

(22) مدارج السالكين 1/188 .

(23) الزهد للإمام أحمد (179) .

(24) حلية الأولياء 2/157 ، وذم الهوى (40) .

(25) الإحياء ، 4/605 .

(26) الزهد للإمام أحمد (171) .

(27) مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لابن الجوزي ، 171 .

(28) الزهد للإمام أحمد ، 501 .

(29) الزهد للإمام أحمد ، 336 ، وذم الهوى ، 41 .

(30) الإحياء ، 4/589 .

(31) الإحياء ، 4/589 .

(32) حلية الأولياء ، 3/115 ، وذم الهوى ، 42 .

(33) والأوْلى في هذا المقام اتباع هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي دلّنا على أن أفضل الصيام صيام داود -عليه الصلاة والسلام - ، وهو صيام يوم وإفطار يوم - البيان - .

(34) الإحياء ، 4/591 .

(35) مدارج السالكين ، 1/188 (بتصرّف) .

(36) الدّرَقَة : التّرس من جلدٍ ليس فيه خشب (المعجم الوسيط ، 1/281) .

(37) سير أعلام النبلاء للذهبي (11/210) .
موقع طريق الدعوة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
محاسبة النفس ضرورة مُلِحّة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» abrقوة الكلمات والحديث مع النفس
» تسعة أساليب تعلمنا محبة النفس

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى نور و نجاح :: قسم الاسلام-
انتقل الى: